إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
101843 مشاهدة print word pdf
line-top
حديث كرسي سليمان بن داود عليهما السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى- حديث كرسي سليمان بن داود -صلى الله على نبينا وعليه وسلم تسليما-.
قال: حدثني أبي -رحمه الله تعالى- قال: حدثنا أحمد بن مهدي قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني أبو إسحاق المصري -رحمه الله تعالى- قال: زعموا أن كعب الأحبار لما فرغ من حديث إرم ذات العماد قال له معاوية أخبرني عن كرسي سليمان بن داود عليه السلام وما كان عليه ومن أي شيء هو.
قال: كان كرسي سليمان بن داود -صلى الله على نبينا وعليه وسلم- من أنياب الفيلة مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ وقد جعل درجة منها مفصصة بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ثم أمر بالكرسي فحفف من جانبيه بالنخل نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ.
وجعل على رءوس النخل التي على يمين الكرسي طواويس من ذهب ثم جعل على رءوس النخل التي على يسار الكرسي نسورا من ذهب مقابلها طواويس، وجعل على يمين الدرجة الأولى شجرتي صنوبر من ذهب وعلى يسارها أسدين من ذهب وعلى رءوس الأسدين عمودين من زبرجد.
وجعل من جانبي الكرسي شجرتي كرم من ذهب قد أظلتا الكرسي وجعل على عناقيدها درا وياقوتا أحمر، ثم جعل فوق درج الكرسي أسدين عظيمين من ذهب مجوفين محشوين مسكا وعنبرا.
فإذا أراد سليمان بن داود عليهما السلام أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان ساعة ثم يقفان فينضخان ما في أجوافهما من المسك والعنبر حول كرسي سليمان بن داود عليهما السلام، ثم يوضع منبران واحد لخليفته والآخر لرئيس أحبار بني إسرائيل ذلك الزمان.
ثم أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب ليصعد عليها سبعون قاضيا من أحبار بني إسرائيل وعلمائهم وأهل الشرف منهم والتقوى، ومن خلف تلك المنابر كلها خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد، فإذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجة السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وعليه فيبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيمن.
حتى إذا استوى سليمان عليه السلام على الدرجة الثانية وقعد على كرسيه قاعدا أخذ من تلك النسور نسرا منها عظيم تاج سليمان عليه السلام فوضعه على رأسه، فإذا وضعه على رأسه استدار الكرسي بما فيه كما تدور الرحى المسرعة.
قال معاوية -رضي الله عنه- وما الذي يدور به يا أبا إسحاق قال: تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه وهو عظيم مما عمله صخر الجني، فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسد والطواويس التي في أسفل الكرسي إلى أعلاه درن معه فإذا وقف وقفن جميعا كلهن منكسات على رأس سليمان عليه السلام وهو جالس.
ثم ينفخن جميع ما في أفواههن من المسك والعنبر على رأس سليمان عليه السلام وهو جالس تتناول حمامة من ذهب واقفة على عمود جوهر التوراة فتجعلها في يده فيقرؤها سليمان عليه السلام على الناس فإذا قرأها عليهم دعا الناس إلى القضاء وجلس قضاة بني إسرائيل على منابرهم عن يمينه وعن شماله حافين حول كرسيه.
حتى إذا قرب الشهداء للشهادات دار التنين بالكرسي كدور الرحى المسرعة، واستدارت الأسود وخفقت النسور بأجنحتها ونشرت الطواويس أذنابها ففزعت الشهداء وتخوفوا على أنفسهم عندما يرون من السلطان فداخلهم من ذلك رعب شديد.
فيقول بعضهم لبعض: والله لنشهدن بالحق فإنا إن نشهد اليوم بالباطل لنهلكن فكان هذا يا أمير المؤمنين أمر كرسي سليمان بن داود عليهما السلام وعجائب ما كان فيه .
فلما توفي سليمان عليه السلام بعث بختنصر بعده فأخذ ذلك الكرسي معه فحمله إلى أنطاكية فأراد أن يصعد عليه ولم يكن له علم بالصعود عليه ولا بحاله فلما وضع قدماه على الدرجة رفع الأسد يده اليمنى فضرب بساقه التي في الأرض فدق ساقه .
قال معاوية -رضي الله عنه- وكيف ذلك يا أبا إسحاق قال: كعب -رحمه الله تعالى- كان سليمان بن داود عليه السلام إذا أراد الصعود وضع قدميه جميعا ثم ثبت بقدميه جميعا.
وإن بختنصر رفع رجلا ووضع رجلا فضرب الأسد ساقه التي لم يرفعها من الأرض فدقها ورجع بختنصر -لعنه الله- وحمل إلى منزله فلم يزل يعرج منها حتى مات -لا رحمه الله- وكان الكرسي بأنطاكية حتى هزم خليفة بختنصر فنقل الكرسي إلى بابل فلم يزل ببابل حتى هلك خليفة بختنصر -لعنهما الله تعالى- وملك فارس من ملوك الفرس فحمل ذلك الكرسي.
قال معاوية -رضي الله عنه- وما اسم ذلك الملك قال كان يسمى كداس بن سداس فحمله من بابل ورده إلى بيت المقدس فوضعه تحت الصخرة، فلم ير أحد وقع في يده من تلك الملوك الركوب على كرسي سليمان عليه السلام بعده ولا القعود عليه ولا يقعد عليه بعد ذلك ولم يدر أين هو ولم ير أحد أثره إلى الساعة.
قال: ذكر نمرود وعظم سلطانه وعتوه وتمرده وتسليط الله تعالى أضعف خلقه عليه احتقارا له وتهاونا بشأنه.
قال: حدثنا محمد بن هارون قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا عبد الله بن وهب قال: حدثنا ابن زيد بن أسلم في قوله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ قال هو نمرود بن كنعان وكان بالموصل والناس يأتونه فإذا دخلوا عليه قال: من ربكم فيقولون أنت فيقول أميروهم.
فلما دخل إبراهيم -صلى الله عليه وعلى نبينا عليه وسلم تسليما كثيرا- ومعه بعير خرج يمتار لولده فقال فعرضوا كلهم فيقولون من ربك فيقولون أنت فيقولون أميروهم حتى عرض إبراهيم -عليه السلام- مرتين فقيل من ربك فيقول: ربي الذي يحيى ويميت، قال: أنا أحيي وأميت إن شئت قتلتك وأمتك وإن شئت استحييتك فقال إبراهيم فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ فقال أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئا.
فخرج القوم كلهم قد امتاروا وجوالق إبراهيم -صلى الله على نبينا وعليه وسلم- يصطفقان حتى إذا نظر إلى سواد جبال أهله قال: لو أني ملأت هذين الجوالقين من البطحاء فذهبت بهما قرت أعين صبياني فإذا كان الليل أهرقته قال: فملأهما ثم خيطهما ثم جاء بهما فنزل على الصبيان وفرحوا.
وألقى رأسه في حجر سارة ساعة ثم قال: ما يحبسني قد جاء إبراهيم -عليه السلام- لو قد قمت وصنعت له طعاما إلى أن يقوم قال فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها وانسلت قليلا قليلا لئلا توقظه فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتحتها فإذا بحواري لم ير مثله عند أحد قط.
فأخذت منه فعجنته وصنعته فلما فرغت أتت توقظ إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- جاءته به ووضعته بين يديه فقال أي شيء هذا يا سارة قالت هذا من جواليقك قال: لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير قال فذهب فنظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله فعرف من أين ذلك.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثني أبو الضحاك قال: حدثنا يونس قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثنا ابن زيد قال: بعث الله تبارك وتعالى جبريل عليه السلام إلى نمرود فقال له: إن ربك يأمرك أن تعبده ولا تشرك به شيئا فقال: أبرز أنت وصاحبك إن كنت صادقا قال له موعدك بالغداة.
فقال: من أين تأتي جموعكم قال من نحو المشرق قال فذهب يجمع وكان إذا جمع فلم يسل الوادي من أبوال دوابهم غضب ورجع فجمع جمعا لم يجمع مثله فأتاه جبريل -عليه السلام- فقال له: إن جموع ربك قد أتت قال فأوحى الله -عز وجل- إلى خازن البعوض أن افتح منه بابا فخرج منه مثل السحاب فأوحى الله -عز وجل- إليهم أن كلوهم ودوابهم ولا تقربوه احتبسوه.
قال: فاحتبست الشمس أن تطلع ساعة فقال ما للشمس لا تطلع فقال: حال بينك وبينها جنده الذين بعثهم إليك وما بعث إليك إلا أضعف جند هو له فغشيهم مثل السحاب فما انجلين إلا عن عظام تلوح منهم ومن دوابهم قال: فازداد طغيانا إذ لم يمسه ورجع فنام فأوحى الله -عز وجل- إلى بعوضة أن اقرصي شفته فقرصتها فحكها فطمرت وتورمت.
قال: فدعا الأطباء قالوا: ما لها دواء إلا أن تشقها فشقها فسقطت شقة هاهنا وشقة هاهنا ثم أوحى الله -عز وجل- إليها أن اقرصي شفته العليا فقرصتها فطمرت أيضا وتورمت قال: فدعا الأطباء فقالوا: ما لها دواء إلا أن تصنع ما صنعت بالشفة قال ففعل ذلك.
ثم أوحى الله -عز وجل- إليها أن اقرصي أنفه فقرصته فطمرت أنفه فدعا الأطباء فقالوا: ما نعلم لها دواء إلا أن تشقها قال: فشقها قال: فصار وجهه ستة شقوق ونام فأوحى الله -عز وجل- إليها أن ادخلي فقعي على دماغه وكلي حتى يأتي أمري قال: ففعلت ذلك قال فكان أرحم الناس به الذي يدق فوق رأسه ما استطاع قال: فعمره الله تعالى في ذلك أربعمائة سنة مثل ما ملكه أربعمائة سنة والبعوض في رأسه وكانت تأكل حتى صارت مثل الفأرة العظيمة.
قال في قصة أصحاب موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- الذين حرم عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة وما خصوا من عظيم قدرة الله -عز وجل- وعظيم شأنه.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شريح قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهبا -رحمه الله تعالى- يقول: إن بني إسرائيل لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض شكوا إلى موسى -عليه السلام-. فقالوا: ما نأكل قال: إن الله سيأتيكم بما تأكلون قالوا: من أين لنا إلا أن أمطر علينا خبزا قال: إن الله ينزل عليكم خبزا مخبوزا فكان ينزل عليهم المن فسئل وهب: ما المن؟ قال: خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي. قالوا: وما نأتدم وهل بد لنا من لحم؟ قال: فإن الله -عز وجل- يأتيكم به.
قالوا: من أين لنا إلا أن تأتينا به الريح؟ قال: فإن الريح تأتيكم به. فكانت الريح تأتيهم بالسلوى فسئل وهب -رحمه الله تعالى- ما السلوى؟ قال: طير سمين مثل الحمام كان يأيتهم فيأخذون منه سبتا إلى سبت.
قالوا: فما نلبس قال لا يخلق لأحدكم ثوب أربعين سنة قالوا: فما نحتذي قال: لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة قالوا: فإنه يولد فينا أولاد فما نكسوهم قال الثوب الصغير على الكبير ليشب معه قالوا: فمن أين لنا الماء قال: يأتيكم به الله تعالى قالوا: من أين لنا إلا أن يخرج من الحجر فأمر الله تعالى موسى -صلى الله على نبينا وعليه وسلم تسليما- أن يضرب بعصاه الحجر قالوا: فبم نبصر فإنه يغشانا الظلمة فضرب لهم عمودا من نور في وسط عسكرهم أضاء عسكرهم كله قالوا: فبم نستظل فإن الشمس علينا شديد قال يظلكم الله بالغمام.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن علية قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي -رحمه الله تعالى- قال: تاهوا في اثني عشر فرسخا أربعين عاما وجعل لهم حجر مثل رأس الثور يحمل على ثور فإذا نزلوا منزلا وضعوه فضربه موسى -صلى الله على نبينا وعليه وسلم بعصاته فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فإذا ساروا حملوه على ثور واستمسك الماء.


وهذه قصص ورد بعض أصولها في القرآن وبعضها في بعض القصص، ولكن لا ينبغي الجزم بما يذكر في هذه من القصص وفيها من الأشياء التي يبلغها الوهم، لا شك أن لها أصولا ولكن ذكرها بهذه الأخبار يسبب الشك فيها، من ذلك قصة سليمان فالله تعالى ذكر أنه سخر له ما لم يسخر لغيره.
في قوله تعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ يعني أنه يبسط بساطه وترفعه الريح، وتحمله رخاء حيث أصاب فمسيرها أول النهار مسيرة شهر وآخر النهار مسيرة شهر، كذلك أيضا سخر له الشياطين وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ يعني أنهم ذللهم له شياطين من الجن ومن العفاريت.
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ هكذا سخرهم ولما توفي لم يشعروا بوفاته وبقي كأنه قائم معتمد على العصا، وهم يعتقدون أنه حي ولم يزل كذلك عملهم جادين إلى أن أكلت الأرضة العصا التي هو معتمد عليها.
مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ أي عصاه فلما أكلتها خر فعرفوا أنه قد مات، فتبين أنهم لا يعلمون الغيب تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ لا شك أن الله تعالى سخر له ما لم يسخر لغيره، وأما ما ذكر في هذه القصص الله أعلم بصحتها.
الله تعالى ذكر له الكرسي.
في قول الله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ هذا الكرسي يظهر أنه كسائر الكراسي التي يجلس عليها وأن ما ذكر عن كعب الأحبار من صفة هذا الكرسي ودورانه وأنه من ذهب وأنه له هاتان الصورتان، صورة أسدين أو غيرهما وصورة طيور وأنه تحته أفعى تدور به إلى آخر ما ذكر فيظهر أن هذا ليس بصحيح، وإنما هو كرسي يمكن أنه كرسي من ذهب أو من فضة، وأما هذه الصفة فإنها صفة غريبة يظهر أنها من الأكاذيب التي دخلت في كتب المتأخرين من بني إسرائيل.
وقد اشتهر أن اليهود يدعون أن سليمان ساحر وأنه سحر الجن حتى سخروا له وسحر الشياطين حتى ذللوا له ولكن الله تعالى ذكر أنه نبي وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ وقال له: هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ فالذين اتهموه من اليهود أنه ساحر هؤلاء كذبة، إنما الله تعالى سخرهم له وذللهم له، والذين بالغوا في ذلك كما في هذه القصة هؤلاء أيضا قد زادوا وقد غلوا وأتوا بما ليس بصحيح، إنما هو نبي من أنبياء الله تعالى اعترف بفضل الله وشكر الله على ما أعطاه : وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ورثه في ملكه الذي آتاه الله فإن الله تعالى قد ذكر أن داود آتاه الله الملك كما في قول الله تعالى: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ فآتى الله تعالى داود ملكا وسخر معه ما سخر، وقال للجبال أوبي معه يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي سبحي معه، وكذلك الطير سخرها أيضا فكانت تسبح معه، وسخر أيضا لسليمان الطير فكانت تصف حوله، وذلك من آيات الله وكانت أيضا تظله فسخر له الريح وسخر له الطير بحيث إنه يتفقدها ويعلمها.
وأما قصة الجسد فذكر بعض المفسرين أن ملك سليمان كان متمثلا في خاتم يلبسه، وأنه بهذا الخاتم كانت تعكف حوله الشياطين وكانت تدور حوله الطير، وأنه خلع مرة خاتمه وأعطاه إحدى جواريه وتلك الجارية جاءها شيطان في صورته في صورة سليمان فأخذ الخاتم، فلما أخذه صفت عليه الطيور وقامت عليه الشياطين لاعتقاد أنه سليمان فجاء سليمان وقال: أعطوني خاتمي فقالت قد أخذته لست بسليمان إلى آخر القصة، وذكر أنه لما عرف بأنه شيطان نزع الخاتم وألقاه في البحر فرده الله تعالى إلى سليمان ورد عليه ملكه.
وبكل حال هذا يمكن أن يكون له أصل، وأما سعة الكرسي فهذا أيضا لم يكن عليه دليل، وأما قول الله تعالى: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فالصافنات هي الخيل، ذكر بعض المفسرين أنه مرة استعرضها وأخذت تعرض عليه في العشي فانشغل عن أوراده وانشغل عن الأدعية التي كان يدعو بها في ذلك المساء فقال: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ أي طفق يضرب أعناقها ويضرب سوقها لأنها شغلته عن ذكر الله تعالى فعوضه الله تعالى بالريح، سخر له بعد ذلك هذه الريح ولكن أنكر ذلك بعض العلماء، وقالوا: كيف يقتلها وهي لا ذنب لها ولو كانت ملكه فإن في هذا إفسادا لماليتها؛ وفسروها بأنها طفق مسحا بالسوق والأعناق أنها لما ردت إليه جعل يمسح سوقها يعني قوائمها ويمسح أعناقها بيده ويدعو لها وهذا هو الأقرب لا أنه أمر بقتلها، وقد ذكر الله تعالى أنه منَّ عليه فهو أنه قال: هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ فنقول: إن هذا هو الحق يعني الذي ثبت في قصته وأن ما زاد على ذلك فليس بصحيح.

line-bottom